فصل: باب التيمن في الوضوء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب مسح الصدغين وأنهما من الرأس

1- عن الربيع بنت معوذ قالت‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم توضأ فمسح برأسه ومسح ما أقبل منه وما أدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي‏:‏ وقال حديث حسن‏.‏

حديث الربيع قد تقدم الكلام عليه في باب مسح الرأس كله وتقدم أن مدار جميع رواياته على ابن عقيل وفيه مقال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وصدغيه‏)‏ الصدغ بضم الصاد المهملة وسكون الدال الموضع الذي بين العين والأذن والشعر المتدلي على ذلك الموضع‏.‏

والحديث يدل على مشروعية مسح الصدغ والأذن وأن مسحهما مع الرأس وأنه مرة واحدة وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

 باب مسح العنق

1- عن ليث بن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف‏.‏ قال ابن حبان‏:‏ كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم تركه يحيى بن القطان وابن مهدي وابن معين وأحمد بن حنبل‏.‏ قال النووي في تهذيب الأسماء‏:‏ اتفق العلماء على ضعفه‏.‏

وأخرج الحديث أبو داود وذكر له علة أخرى عن أحمد بن حنبل قال‏:‏ كان ابن عيينة ينكره ويقول ايش هذا طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده وكذا حكى عثمان الدارمي عن علي بن المديني وزاد‏:‏ سألت عبد الرحمن بن مهدي عن اسم جده فقال‏:‏ عمرو بن كعب أو كعب بن عمرو وكانت له صحبة‏.‏

وقال الدوري عن ابن معين‏:‏ المحدثون يقولون إن جد طلحة رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأهل بيته يقولون ليست له صحبة‏.‏

وقال الخلال عن أبي داود‏:‏ سمعت رجلًا من ولد طلحة يقول إن لجده صحبة‏.‏ وقال ابن أبي حاتم‏:‏ سألت أبي عنه فلم يثبته وقال إن طلحة هذا يقال إنه رجل من الأنصار ومنهم من يقول طلحة بن مصرف قال‏:‏ ولو كان طلحة بن مصرف لم يختلف فيه‏.‏

وقال ابن القطان‏:‏ علة الخبر عندي الجهل بحال مصرف بن عمرو والد طلحة وصرح بأنه طلحة بن مصرف‏.‏ وكذلك صرح بذلك ابن السكن وابن مردويه في كتاب أولاد المحدثين ويعقوب بن سفيان في تاريخه وابن أبي خيثمة أيضًا وخلق‏.‏

وفي الباب حديث ‏(‏مسح الرقبة أمان من الغل‏)‏ قال ابن الصلاح‏:‏ هذا الخبر غير معروف عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو من قول بعض السلف‏.‏

وقال النووي في شرح المهذب‏:‏ هذا حديث موضوع ليس من كلام النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏ وقال في موضع آخر‏:‏ لم يصح عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيه شيء قال‏:‏ وليس هو بسنة بل بدعة‏.‏

وقال ابن القيم في الهدي‏:‏ لم يصح عنه في مسح العنق حديث البتة‏.‏ وروى القاسم ابن سلام في كتاب الطهور عن عبد الرحمن بن مهدي عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن موسى بن طلحة قال‏:‏ من مسح قفاه مع رأسه وقي الغلي يوم القيامة قال الحافظ ابن حجر في التلخيص‏:‏ فيحتمل أن يقال هذا وإن كان موقوفًا فله حكم الرفع لأن هذا لا يقال من قبيل الرأي فهو على هذا مرسل انتهى‏.‏

وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان قال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد حدثنا عبد الرحمن بن داود حدثنا عثمان بن خرزاد حدثنا عمر بن محمد بن الحسن حدثنا محمد بن عمرو الأنصاري عن أنس بن سيرين عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ مسح عنقه ويقول‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من توضأ ومسح عنقه لم يغل بالأغلال يوم القيامة‏)‏ والأنصاري هذا واه‏.‏ قال الحافظ‏:‏ قرأت جزءًا رواه أبو الحسين ابن فارس بإسناده عن فليح بن سليمان عن نافع عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من توضأ ومسح بيديه على عنقه وقي الغل يوم القيامة‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ إن شاء اللَّه هذا حديث صحيح‏.‏ قلت‏:‏ بين ابن فارس وفليح مفازة فلينظر فيها انتهى‏.‏

وهو في كتب أئمة العترة في أمالي أحمد بن عيسى وشرح التجريد بإسناد متصل بالنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولكن فيه الحسين بن علوان عن أبي خالد الواسطي بلفظ‏:‏ ‏(‏من توضأ ومسح سالفتيه وقفاه أمن من الغل يوم القيامة‏)‏ وكذا رواه في أصول الأحكام والشفاء‏.‏

ورواه في التجريد عن علي عليه السلام من طريق محمد بن الحنفية في حديث طويل وفيه ‏(‏أنه لما مسح رأسه مسح عنقه وقال له بعد فراغه من الطهور افعل كفعالي هذا‏)‏ وبجميع هذا تعلم أن قول النووي مسح الرقبة بدعة وأن حديثه موضوع مجازفة وأعجب من هذا قوله‏:‏ ولم يذكره الشافعي ولا جمهور الأصحاب وإنما قاله ابن القاص وطائفة يسيرة فإنه قال الروياني من أصحاب الشافعي في كتابه المعروف بالبحر ما لفظه‏:‏ قال أصحابنا هو سنة وتعقب النووي أيضًا ابن الرفعة بأن البغوي وهو من أئمة الحديث قد قال باستحبابه قال‏:‏ ولا مأخذ لاستحبابه إلا خبر أو أثر لأن هذا لا مجال للقياس فيه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ولعل مستند البغوي في استحباب مسح القفا ما رواه أحمد وأبو داود وذكر حديث الباب ونسب حديث الباب ابن سيد الناس في شرح الترمذي إلى البيهقي أيضًا قال‏:‏ وفيه زيادة حسنة وهي مسح العنق‏.‏ فانظر كيف صرح هذا الحافظ بأن هذه الزيادة المتضمنة لمسح العنق حسنة ثم قال‏:‏ قال المقدسي‏:‏ وليث متكلم فيه وأجاب عن ذلك بأن مسلمًا قد أخرج له واختلف القائلون باستحباب مسح الرقبة هل تمسح ببقية ماء الرأس أو بماء جديد فقال الهادي والقاسم‏:‏ تمسح ببقية ماء الرأس وقال المؤيد باللَّه والمنصور باللَّه ونسبه في البحر إلى الفريقين‏:‏ إنها تمسح بماء جديد‏.‏

 باب جواز المسح على العمامة

1- عن عمرو بن أمية الضمري قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يمسح على عمامته وخفيه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وابن ماجه‏.‏

2- وعن بلال قال‏:‏ ‏(‏مسح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على الخفين والخمار‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود‏.‏ وفي رواية لأحمد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ امسحوا على الخفين والخمار‏)‏‏.‏

3- وعن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ ‏(‏توضأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ومسح على الخفين والعمامة‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏

أخرج حديث المغيرة بن شعبة أيضًا مسلم في صحيحه بلفظ‏:‏ ‏(‏فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين‏)‏ ولم يخرجه البخاري‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وقد وهم المنذري فعزاه إلى المتفق عليه وتبع في ذلك ابن الجوزي فوهم وقد تعقبه ابن عبد الهادي وصرح عبد الحق في الجمع بين الصحيحين أنه من أفراد مسلم وقد أعل حديث عمرو بن أمية المذكور في الباب بتفرد الأوزاعي بذكر العمامة حتى قال ابن بطال‏:‏ إنه قال الأصيلي ذكر العمامة في هذا الباب من خطأ الأوزاعي لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحد قال‏:‏ وأما متابعة معمر فليس فيها ذكر العمامة وهي أيضًا مرسلة لأن أبا سلمة لم يسمع من عمرو‏.‏

قال الحافظ‏:‏ سماعه منه ممكن فإنه مات بالمدينة سنة ستين وأبو سلمة مدني ولم يوصف بتدليس وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو وقد أخرجه ابن منده من طريق معمر بإثبات ذكر العمامة فيه وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته لأنها تكون من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل ولا تكون شاذة ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية‏.‏ وقد أطال الكلام على ذلك ابن سيد الناس في شرح الترمذي فليرجع إليه‏.‏

وفي الباب عن أبي أمامة عند الطبراني بلفظ‏:‏ ‏(‏مسح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على الخفين والعمامة في غزوة تبوك‏)‏‏.‏

وعن أبي موسى الأشعري عند الطبراني أيضًا بلفظ‏:‏ ‏(‏أتيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فمسح على الجوربين والنعلين والعمامة‏)‏ قال الطبراني‏:‏ تفرد به عيسى بن سنان‏.‏

وعن خزيمة بن ثابت عند الطبراني ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يمسح على الخفين والخمار‏)‏ وعن أبي طلحة في كتاب مكارم الأخلاق للخرائطي بلفظ‏:‏ ‏(‏مسح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على الخمار والخفين‏)‏ وقد روي عن جماعة من الصحابة‏.‏

وفي الباب عن سلمان وثوبان وسيأتي ذلك‏.‏

وقد اختلف الناس في المسح على العمامة فذهب إلى جوازه الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود بن علي وقال الشافعي‏:‏ إن صح الخبر عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيه أقول‏:‏ قال الترمذي‏:‏ وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس ورواه ابن رسلان عن أبي أمامة وسعد بن مالك وأبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ومكحول‏.‏

وروى الخلال بإسناده عن عمر أنه قال‏:‏ من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره اللَّه‏.‏ ورواه في الفتح عن الطبري وابن خزيمة وابن المنذر‏.‏

واختلفوا هل يحتاج الماسح على العمامة إلى لبسها على طهارة أو لا يحتاج فقال أبو ثور‏:‏ لا يمسح على العمامة والخمار إلا من لبسهما على طهارة قياسًا على الخفين ولم يشترط ذلك الباقون وكذلك اختلفوا في التوقيت فقال أبو ثور أيضًا‏:‏ إن وقته كوقت المسح على الخفين وروي مثل ذلك عن عمر والباقون لم يوقتوا‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مسح على العمامة والخمار ولم يوقت ذلك بوقت‏.‏ وفيه أن الطبراني قد روى من حديث أبي أمامة أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏كان يمسح على الخفين والعمامة ثلاثًا في السفر ويومًا وليلة في الحضر‏)‏ لكن في إسناده مروان أبو سلمة قال ابن أبي حاتم‏:‏ ليس بالقوي وقال البخاري‏:‏ منكر الحديث وقال الأزدي‏:‏ ليس بشيء وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال‏:‏ ليس بصحيح‏.‏

استدل القائلون بجواز المسح على العمامة بما ذكره المصنف وذكرناه في هذا الباب من الأحاديث‏.‏ وذهب الجمهور كما قاله الحافظ في الفتح إلى عدم جواز الاقتصار على مسح العمامة ونسبه المهدي في البحر إلى الكثير من العلماء‏.‏

قال الترمذي‏:‏ وقال غير واحد من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وإليه ذهب أيضًا أبو حنيفة واحتجوا بأن اللَّه فرض المسح على الرأس والحديث في العمامة محتمل التأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس ورد بأنه أجزأ المسح على الشعر ولا يسمى رأسًا ـ فإن قيل ـ يسمى مجازًا بعلاقة المجاورة قيل والعمامة كذلك بتلك العلاقة فإنه يقال قبلت رأسه والتقبيل على العمامة‏.‏

والحاصل أنه قد ثبت المسح على الرأس فقط وعلى العمامة فقط وعلى الرأس والعمامة والكل صحيح ثابت فقصر الأجزاء على بعض ما ورد لغير موجب ليس من دأب المنصفين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والخمار‏)‏ هو بكسر الخاء المعجمة النصيف وكل ما ستر شيئًا فهو خماره كذا في القاموس والمراد به هنا العمامة كما صرح بذلك النووي في شرح مسلم قال‏:‏ لأنها تخمر الرأس أي تغطيه‏.‏ ويؤيده الحديث الذي بعد هذا‏.‏

4- وعن سلمان‏:‏ ‏(‏أنه رأى رجلًا قد أحدث وهو يريد أن يخلع خفيه فأمره سلمان أن يمسح على خفيه وعلى عمامته وقال‏:‏ رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يمسح على خفيه وعلى خماره‏)‏‏.‏

5- وعن ثوبان‏:‏ ‏(‏قال رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين والخمار‏)‏‏.‏

رواهما أحمد‏.‏

6- وعن ثوبان قال‏:‏ ‏(‏بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ العصائب العمائم والتساخين الخفاف‏.‏

حديث سلمان أخرجه أيضًا الترمذي في العلل ولكنه قال‏:‏ مكان وعلى خماره وعلى ناصيته وفي إسناده أبو شريح قال الترمذي‏:‏ سألت محمد بن إسماعيل عنه ما اسمه فقال‏:‏ لا أدري لا أعرف اسمه‏.‏ وفي إسناده أيضًا أبو مسلم مولى زيد بن صوحان وهو مجهول قال الترمذي‏:‏ لا أعرف اسمه ولا أعرف له غير هذا الحديث‏.‏

وأما حديث ثوبان الأول فأخرجه أيضًا الحاكم والطبراني‏.‏ وحديثه الثاني في إسناده راشد بن سعد عن ثوبان قال الخلال في علله‏:‏ إن أحمد قال لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان لأنه مات قديمًا‏.‏

والأحاديث تدل على أنه يجزئ المسح على العمامة وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

وتدل على جواز المسح على الخف وسيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العصائب‏)‏ هي العمائم كما قال المصنف وبذلك فسرها أبو عبيد سميت بذلك لأن الرأس يعصب بها فكل ما عصبت به رأسك من عمامة ومنديل أو عصابة فهو عصابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والتساخين‏)‏ بفتح التاء الفوقية والسين المهملة المخففة وبالخاء المعجمة هي الخفاف كما قال المصنف رحمه اللَّه‏.‏

قال ابن رسلان‏:‏ ويقال أصل ذلك كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها وقيل واحدها تسخان وتسخين هكذا في كتب اللغة والغريب‏.‏

 باب مسح ما يظهر من الرأس غالبًا مع العمامة

1- عن المغيرة بن شعبة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قد قدمنا أن البخاري لم يخرجه وأن المنذري وابن الجوزي وهما في ذلك كما قاله الحافظ‏.‏ والمصنف قد تبعهما في ذلك فتنبه‏.‏

وهو يدل على ما ذهب إليه الشافعي ومن معه من أنه لا يجوز الاقتصار على العمامة بل لا بد مع ذلك من المسح على الناصية وقد تقدم في الباب الأول ذكر الخلاف والأدلة وما هو الحق‏.‏

 باب غسل الرجلين وبيان أنه الفرض

1- عن عبد اللَّه بن عمر قال‏:‏ ‏(‏تخلف عنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في سفرة فأدركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا قال‏:‏ فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثًا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ أرهقنا العصر خرناها ويروى أرهقتنا العصر بمعنى دنا وقتها‏.‏

في الباب أحاديث غير ما ذكره المصنف في هذا الكتاب‏.‏ منها عن عائشة عند مسلم وعن معيقيب عند أحمد وقد علل‏.‏ وقيل‏:‏ ليس بشيء‏.‏ وعن خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة‏.‏ وعمرو بن العاص عند ابن ماجه بلفظ‏:‏ ‏(‏أتموا الوضوء ويل للأعقاب من النار‏)‏ وعن عبد اللَّه بن عمر عند ابن أبي شيبة‏.‏ وعن أبي أمامة عن ابن أبي شيبة أيضًا‏.‏ وقد روي من حديث أبي أمامة‏.‏ ومن حديث أخيه‏.‏ ومن حديثهما معًا‏.‏ ومن حديث أحدهما على الشك قاله ابن سيد الناس‏:‏ وعن عمر بن الخطاب عند مسلم‏.‏ وعن أبي ذر الغفاري وفيه أبو أمية وهو ضعيف‏.‏ وعن خالد بن معدان عند أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في سفرة‏)‏ وقع في صحيح مسلم أنها كانت من مكة إلى المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرهقنا‏)‏ قال الحافظ‏:‏ بفتح الهاء والقاف والعصر مرفوع بالفاعلية كذا لأبي ذر‏.‏

وفي رواية كريمة بإسكان القاف والعصر منصوب بالمفعولية‏.‏

ويقوي الأول رواية الأصيلي أرهقتنا بفتح القاف بعدها مثناة ساكنة ومعنى الإرهاق الإدراك والغشيان قال ابن بطال‏:‏ كأن الصحابة أخروا الصلاة في أول الوقت طمعًا أن يلحقهم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيصلوا معه فلما ضاق الوقت بادروا إلى الوضوء ولعجلتهم لم يسبغوه فأدركهم على ذلك فأنكر عليهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونمسح على أرجلنا‏)‏ انتزع منه البخاري أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل قال الحافظ‏:‏ وهذا ظاهر الرواية المتفق عليها‏.‏

وفي أفراد مسلم ‏(‏فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح لم يمسها الماء‏)‏ فتمسك بهذا من يقول بإجزاء المسح ويحمل الإنكار على ترك التعميم لكن الرواية المتفق عليها أرجح فتحمل هذه الرواية عليها بالتأويل وهو أن معنى قوله‏:‏ ‏(‏لم يمسها الماء‏)‏ أي ماء الغسل جمعًا بين الروايتين‏.‏

وأصرح من ذلك رواية مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا لم يغسل عقبه فقال ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويل‏)‏ جاز الابتداء بالنكرة لأنها دعاء والويل واد في جهنم رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعًا والعقب مؤخر القدم وهي مؤنثة ويكسر القاف ويسكن وخص العقب بالعذاب لأنها التي لم تغسل أو أراد صاحب العقب فحذف المضاف‏.‏

والحديث يدل على وجوب غسل الرجلين وإلى ذلك ذهب الجمهور‏.‏ قال النووي‏:‏ اختلف الناس على مذاهب فذهب جميع الفقهاء من أهل الفتوى في الأعصار والأمصار إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئ مسحهما ولا يجب المسح مع الغسل ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به في الإجماع قال الحافظ في الفتح‏:‏ ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك‏.‏

قال عبد الرحمن ابن أبي ليلى‏:‏ أجمع أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على غسل القدمين رواه سعيد بن منصور وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ وقالت الإمامية‏:‏ الواجب مسحهما وقال محمد بن جرير الطبري والجبائي والحسن البصري‏:‏ إنه مخير بين الغسل والمسح‏.‏ وقال بعض أهل الظاهر‏:‏ يجب الجمع بين الغسل والمسح‏.‏

واحتج من لم يوجب غسل الرجلين بقراءة الجر في قوله‏:‏ ‏{‏وأرجلكم‏}‏ وهو عطف على قوله‏:‏ ‏{‏برؤوسكم‏}‏ قالوا‏:‏ وهي قراءة صحيحة سبعية مستفيضة والقول بالعطف على غسل الوجوه وإنما قرئ بالجر للجواز وقد حكم بجوازه جماعة من أئمة الأعراب كسيبويه والأخفش لا شك أنه قليل نادر مخالف للظاهر لا يجوز حمل المتنازع فيه عليه‏.‏

قلنا أوجب الحمل عليه مداومته صلى اللَّه عليه وآله وسلم على غسل الرجلين وعدم ثبوت المسح عنه من وجه صحيح وتوعده على المسح بقوله‏:‏ ‏(‏ويل للأعقاب من النار‏)‏ ولأمره بالغسل كما ثبت في حديث جابر عند الدارقطني بلفظ‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا توضأنا للصلاة أن نغسل أرجلنا‏)‏ ولثبوت ذلك من قوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم كما في حديث عمرو بن عبسة وأبي هريرة وقد سلف ذكر طرف من ذلك في باب غسل المسترسل من اللحية‏.‏ ولقوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم بعد أن توضأ وضوءًا غسل فيه قدميه ‏(‏فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم‏)‏ أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة من طرق صحيحة وصححه ابن خزيمة‏.‏ ولا شك أن المسح بالنسبة إلى الغسل نقص وبقوله‏:‏ للأعرابي ‏(‏توضأ كما أمرك اللَّه‏)‏ ثم ذكر له صفة الوضوء وفيها غسل الرجلين وبإجماع الصحابة على الغسل فكانت هذه الأمور موجبة لحمل تلك القراءة على ذلك الوجه النادر قالوا أخرج أبو داود من حديث أوس بن أبي أوس الثقفي‏:‏ ‏(‏أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أتى كظامة قوم فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه‏)‏‏.‏

قلنا في رجال إسناده يعلى بن عطاء عن أبيه وقد أعله ابن القطان بالجهالة في عطاء وبأن في الرواة من يرويه عن أوس بن أبي أوس عن أبيه فزيادة عن أبيه توجب كون أوس من التابعين فيحتاج إلى النظر في حاله وأيضًا في رجال إسناده هشيم عن يعلى قال أحمد‏:‏ لم يسمع هشيم هذا من يعلى مع ما عرف من تدليس هشيم‏.‏ ويمكن الجواب عن هذه بأنه قد وثق عطاء هذا أبو حاتم وذكر أوس بن أبي أوس أبو عمر ابن عبد البر في الصحابة وبأن هشيمًا قد صرح بالتحديث عن يعلى في رواية سعيد بن منصور فأزال إشكال عنعنة هشيم ولكن قال أبو عمر في ترجمة أوس بن أبي أوس‏:‏ وله أحاديث منها في المسح على القدمين وفي إسناده ضعف فلا يكون الحديث مع هذا حجة لا سيما بعد تصريح أحمد بعدم سماع هشيم من يعلى‏.‏

قالوا‏:‏ أخرج الطبراني عن عباد بن تميم عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يتوضأ ويمسح على رجليه‏)‏ قلنا‏:‏ قال أبو عمر‏:‏ في صحبة تميم هذا نظر وضعف حديثه المذكور‏.‏

قالوا‏:‏ أخرج الدارقطني عن رفاعة بن رافع مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تتم صلاة أحدكم‏)‏ وفيه ‏(‏ويمسح برأسه ورجليه‏)‏ قلنا‏:‏ إن صح فلا ينتهض لمعارضة ما أسلفنا فوجب تأويله لمثل ما ذكرنا في الآية قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي‏:‏ قال الحازمي بعد ذكره حديث أوس بن أبي أوس المتقدم من طريق يحيى بن سعيد‏:‏ لا يعرف هذا الحديث مجودًا متصلًا إلا من حديث يعلى‏.‏

وفيه اختلاف وعلى تقدير ثبوته ذهب بعضهم إلى نسخه ثم أورده من طريق هشيم وفي آخره قال هشيم‏:‏ كان هذا في أول الإسلام‏.‏

وأما الموجبون للمسح وهم الإمامية فلم يأتوا مع مخالفتهم للكتاب والسنة المتواترة قولًا وفعلًا بحجة نيرة وجعلوا قراءة النصب عطفًا على محل قوله‏:‏ ‏{‏برؤوسكم‏}‏ ومنهم من يجعل الباء الداخلة على الرؤوس زائدة والأصل امسحوا رؤوسكم وأرجلكم وما أدري بماذا يجيبون عن الأحاديث المتواترة‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ قد صرح العلامة الزمخشري في كشافه بالنكتة المقتضية لذكر الغسل والمسح في الأرجل فقال‏:‏ هي توقى الإسراف لأن الأرجل مظنة لذلك وذكر غيره غيرها فليطلب ذلك في مظانه‏.‏ ‏[‏قال القاضي أبو بكر ابن العربي في تفسير آيات الأحكام‏:‏ وطريق النظر البديع أن القراءتين محتملتان وأن اللغة تقتضي بأنهما جائزتان فردهما الصحابة إلى الرأس مسحًا فلما قطع بنا حديث النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ووقف في وجوهنا وعيده قلنا جاءت السنة قاضية بأن النصب يوجب العطف على الوجه واليدين ودخل بينهما مسح الرأس وإن لم تكن وظيفته كوظيفتهما لأنه مفعول قبل الرجلين لا بعدهما فذكر لبيان الترتيب لا ليشتركا في صفة التطهير وجاء الخفض ليبين أن الرجلين يمسحان حال الاختيار على حائل وهما الخفان بخلاف سائر الأعضاء فعطف بالنصب مغسولًا على مغسول وعطف بالخفض ممسوحًا على ممسوح وصح المعنى فيه واللَّه أعلم‏]‏‏.‏

2- وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا لم يغسل عقبه فقال‏:‏ ويل للأعقاب من النار‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

3- وعن جابر بن عبد اللَّه قال‏:‏ ‏(‏رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قومًا توضئوا ولم يمس أعقابهم الماء فقال‏:‏ ويل للأعقاب من النار‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

4- وعن عبد اللَّه بن الحارث قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار‏)‏‏.‏

رواه أحمد والدارقطني‏.‏

5- وعن جرير بن حازم عن قتادة عن أنس بن مالك‏:‏ ‏(‏أن رجلًا جاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد توضأ وترك على ظهر قدميه مثل موضع الظفر فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ارجع فأحسن وضوءك‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والدارقطني وقال‏:‏ تفرد به جرير بن حازم عن قتادة وهو ثقة‏.‏

حديث أبو هريرة هو في الصحيحين من حديث محمد بن زياد‏.‏ ورواه البخاري عن آدم ومسلم عن قتيبة وابن أبي شيبة‏.‏ وأخرجاه أيضًا من حديث ابن سيرين عنه ورواه ابن ماجه وغيره‏.‏

وحديث جابر رواه ابن ماجه أيضًا بإسناد رجاله ثقات‏.‏ وحديث عبد اللَّه بن الحارث رواه من ذكره المصنف ولم يتكلم عليه أحد بشيء في إسناده وقد قال في مجمع الزوائد‏:‏ إن رجاله ثقات‏.‏

وحديث أنس رواه ابن ماجه أيضًا وابن خزيمة إلا إنه قال الحافظ‏:‏ إن أبا داود رواه من طريق خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بنحوه‏.‏ قال البيهقي‏:‏ هو مرسل وكذا قال ابن القطان وفيه بحث‏.‏

قال الأثرم‏:‏ قلت لأحمد بن حنبل هذا إسناد جيد قال‏:‏ نعم فقلت له‏:‏ إذا قال رجل من التابعين حدثني رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولم يسمه فالحديث صحيح قال‏:‏ نعم وأعله المنذري بأن فيه بقية وقال‏:‏ عن بجير وهو مدلس‏.‏ وفي المستدرك تصريح بقية بالتحديث‏.‏ وأطلق النووي أن الحديث ضعيف الإسناد‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وفي هذا الإطلاق نظر‏.‏

أما حديث ابن عمر عن أبي بكر وعمر قالا‏:‏ ‏(‏جاء رجل وقد توضأ وبقي على ظهر قدمه مثل ظفر إبهامه فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ارجع فأتم وضوءك ففعل‏)‏ فرواه الدارقطني ورواه الطبراني عن أبي بكر وفيه المغيرة ابن صقلاب عن الوازع بن نافع‏.‏

قال ابن أبي حاتم عن أبيه‏:‏ هذا باطل والوزاع ضعيف وذكره العقيلي في الضعفاء في ترجمة المغيرة وقال‏:‏ لا يتابعه عليه إلا مثله‏.‏

وأخرج الطبراني عن ابن مسعود‏:‏ ‏(‏أن رجلًا سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الرجل يغتسل من الجنابة فيخطئ بعض جسده فقال‏:‏ ليغسل ذلك المكان ثم ليصل‏)‏ وفي إسناده عاصم بن عبد العزيز‏.‏

وروي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه أمر بإعادة الوضوء وأعله ابن أبي حاتم بالإرسال وأصله في صحيح مسلم وأبهم المتوضئ ولفظه‏:‏ فقال ‏(‏ارجع فأحسن وضوءك‏)‏ وهو يدل على وجوب الإعادة إذا ترك غسل مثل ذلك المقدار من مواضع الوضوء وسيأتي الكلام على ذلك في باب الموالاة‏.‏

وهذه الأحاديث تدل على وجوب غسل الرجلين وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الباب‏.‏

 باب التيمن في الوضوء

1- عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يحب التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

الحديث صححه ابن حبان وابن منده وله ألفاظ‏:‏ ولفظ ابن حبان‏:‏ ‏(‏كان يحب التيامن في كل شيء حتى في الترجل والانتعال‏)‏ وفي لفظ ابن منده‏:‏ ‏(‏كان يحب التيامن في الوضوء والانتعال‏)‏ وفي لفظ لأبي داود‏:‏ ‏(‏كان يحب التيامن ما استطاع في شأنه كله‏)‏‏.‏

وفي الحديث دلالة على مشروعية الابتداء باليمين في لبس النعال وفي ترجيل الشعر أي تسريحه وفي الطهور فيبدأ بيده اليمنى قبل اليسرى وبرجله اليمنى قبل اليسرى وبالجانب الأيمن من سائر البدن في الغسل قبل الأيسر‏.‏ والتيامن سنة في جميع الأشياء لا يختص بشيء دون شيء كما أشار إلى ذلك الحديث بقوله‏:‏ ‏(‏وفي شأنه كله‏)‏ وتأكيد الشأن بلفظ كل يدل على التعميم وقد خص من ذلك دخول الخلاء والخروج من المسجد‏.‏

قال النووي‏:‏ قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين وما كان بضدها استحب فيه التياسر قال‏:‏ وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين في الوضوء سنة من خالفها فإنه الفضل وتم وضوءه‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ ومراده بالعلماء أهل السنة وإلا فمذهب الشيعة الوجوب وغلط المرتضى منهم فنسبه للشافعي وكأنه ظن أن ذلك لازم من قوله‏:‏ بوجوب الترتيب لكنه لم يقل بذلك في اليدين ولا في الرجلين لأنهما بمنزلة العضو الواحد قال‏:‏ ووقع في البيان للعمراني نسبة القول بالوجوب إلى الفقهاء السبعة وهو تصحيف من الشيعة‏.‏

وفي كلام الرافعي ما يوهم أن أحمد قال بوجوبه ولا يعرف ذلك عنه بل قال الشيخ الموفق في المغني‏:‏ لا نعلم في عدم الوجوب خلافًا‏.‏

وقد نسبه المهدي في البحر إلى العترة والإمامية واستدل لهم بالحديث الذي بعد هذا وسنذكر هنالك ما هو الحق‏.‏

وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا لبستم وإذا توضأتم فابدؤوا بأيامنكم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي كلهم من طريق زهير عن الأعمش عن أبي صالح عنه‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ هو حقيق بأن يصح‏.‏ وللنسائي والترمذي من حديث أبي هريرة ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا لبس قميصًا بدأ بميامنه‏)‏‏.‏

والحديث يدل على وجوب الابتداء باليد اليمنى والرجل اليمنى في الوضوء وقد ذهب إليه من ذكرنا في الحديث الذي قبل هذا ولكنه كما دل على وجوب التيامن في الوضوء يدل على وجوبه في اللبس وهم لا يقولون به‏.‏

وأيضًا فقد روى عن علي عليه السلام أنه قال‏:‏ ما أبالي بدأت بيميني أو بشمالي إذا أكملت الوضوء رواه الدارقطني قال‏:‏ جاء رجل إلى علي عليه السلام فسأله عن الوضوء فقال‏:‏ أبدأ باليمين أو بالشمال فأضرط به علي أي صوت بفيه مستهزئًا بالسائل ثم دعا بماء وبدأ بالشمال قبل اليمين‏.‏

وروى البيهقي من هذا الوجه أنه قال‏:‏ ما أبالي بدأت بالشمال قبل اليمين إذا توضأت وبهذا اللفظ رواه ابن أبي شيبة‏.‏

وروى أبو عبيد في الطهور أن أبا هريرة كان يبدأ بميامنه فبلغ ذلك عليًا فبدأ بمياسره‏.‏ ورواه أحمد بن حنبل عن علي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وفيه انقطاع وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا وكلام علي عند أكثر العترة الذاهبين إلى وجوب الترتيب بين اليدين والرجلين حجة‏.‏

وحديث عائشة المصرح بمحبة التيمن في أمور قد اتفق على عدم الوجوب في جميعها إلا في اليدين والرجلين في الوضوء وكذلك حديث الباب المقترن بالتيامن في اللبس المجمع على عدم وجوبه صالح لجعله قرينة تصرف الأمر إلى الندب‏.‏

ودلالة الاقتران وإن كانت ضعيفة لكنها لا تقصر عن الصلاحية للصرف لا سيما مع اعتضادها بقول علي عليه السلام وفعله وبدعوى الإجماع على عدم الوجوب‏.‏

 باب الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا وكراهة ما جاوزها

1- عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال‏:‏ ‏(‏توضأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرة مرة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا مسلمًا‏.‏

في الباب أحاديث عن عمر وجابر وبريدة وأبي رافع وابن الفاكه وعبد اللَّه بن عمر وعكراش بن ذؤيب المري‏.‏

فحديث عمر عند الترمذي وقال‏:‏ ليس بشيء ورواه أيضًا ابن ماجه‏.‏ وحديث جابر أشار إليه الترمذي‏.‏ وحديث بريدة عند البزار‏.‏ وحديث أبي رافع عند البزار أيضًا‏.‏ وحديث ابن الفاكه في معجمه وفيه عدي بن الفضل وهو متروك‏.‏ وحديث عبد اللَّه بن عمر أخرجه البزار‏.‏ وحديث عكراش ذكره أبو بكر الخطيب‏.‏

والحديث يدل على أن الواجب من الوضوء مرة ولهذا اقتصر عليه النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولو كان الواجب مرتين أو ثلاثًا لما اقتصر على مرة‏.‏ قال الشيخ محي الدين النووي‏:‏ وقد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة وعلى أن الثلاث سنة وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثًا ثلاثًا وبعض الأعضاء ثلاثًا وبعضها مرتين والاختلاف دليل على جواز ذلك كله وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ ‏[‏قال القاضي أبو بكر ابن العربي‏:‏ ظن بعض الناس بل كلهم أن الواحدة فرض والثانية فضل والثالثة مثلها والرابعة تعد وليس كما زعموا وإن كثروا‏.‏ وإنما رأى الراوي أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قد غرف لكل عضو مرة فقال‏:‏ توضأ مرة وهذا صحيح صورة ومعنى ضررة أنا نعلم قطعًا أنه لو لم يوعب العضو بمرة لأعاد وأما إذا زاد على غرفة واحدة في العضو أو غرفتين فإنا لا نتحقق أنه أوعب الفرض في الغرفة الواحدة وجاء ما بعدها فضلًا أو لم يوعب في الواحدة ولا في الاثنتين حتى زاد عليها بحسب الماء وحال الأعضاء في النظافة وتأتي حضور التلطف في إدارة الماء القليل والكثير عليها فيشبه واللَّه أعلم‏.‏

إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أراد أن يوسع على أمته بأن يكرر لهم الفعل فإن أكثرهم لا يستطيع أن يوعب بغرفة واحدة‏.‏ ولأجل هذا لم يوقت مالك في الوضوء مرة ولا مرتين ولا ثلاثًا إلا ما أسبغ‏.‏

قال‏:‏ وقد اختلفت الآثار في التوقيت يريد اختلافًا يبين أن المراد معنى الإسباغ لا صورة الأعداد وقد توضأ صلى اللَّه عليه وآله وسلم فغسل وجهه بثلاث غرفات ويديه بغرفتين لأن الوجه ذو غضون ودحرجة واحد يدأب فلا يسترسل الماء عليه في الأغلب من مرة بخلاف الذراع فإنه مسطح إلى أن قال‏:‏ ولذلك يكره أن يزاد على ثلاث لأن الغرفة الأولى تسن العضو للماء وتذهب عنه شعث التصرف والثانية ترحض وضر العضو وتدحض وهجه والثالثة تنظفه فإن قصرت دربة أحد عن هذا كان بدويًا جافيًا فنعلمه الرفق حتى يتعلم ولهذا قال من قال فمن زاد على الثلاث فقد أساء وظلم واللَّه أعلم‏]‏‏.‏

2- وعن عبد اللَّه بن زيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم توضأ مرتين مرتين‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

في الباب عن أبي هريرة وجابر‏:‏

أما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود والترمذي وقال‏:‏ حسن غريب وفيه عبد اللَّه بن المفضل وقد روى له الجماعة ولكنه تفرد عنه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ومن أجله كان حسنًا‏.‏ قال أبو داود‏:‏ لا بأس به وكان على المظالم ببغداد وقال علي ابن المديني‏:‏ لا بأس به‏.‏ وكذلك قال أحمد وأبو زرعة‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ يشوبه شيء من القدر وتغير عقله في آخر حياته وهو مستقيم الحديث‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوي‏.‏ وقال يحيى‏:‏ مرة ضعيف ومرة لا بأس به وفيه كلام طويل‏.‏

وأما حديث جابر فأشار إليه الترمذي‏.‏

والحديث يدل على أن التوضىء مرتين يجوز ويجزئ ولا خلاف في ذلك‏.‏

3- وعن عثمان رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

الحديث أخرجه بهذا اللفظ الترمذي وقال‏:‏ هو أحسن شيء في الباب‏.‏ وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث علي عليه السلام‏.‏

وفي الباب عن الربيع وابن عمرو وأبي أمامة وعائشة وأبي رافع وعبد اللَّه بن عمرو ومعاوية وأبي هريرة وجابر وعبد اللَّه بن زيد وأُبيَّ‏.‏ وقد بوب البخاري للوضوء ثلاثًا وذكر حديث عثمان الذي شرحناه في أول باب الوضوء وقد قدمنا أن التثليث سنة بالإجماع‏.‏

4- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏جاء أعرابي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثًا ثلاثًا وقال‏:‏ هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وابن ماجه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود وابن خزيمة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ من طرق صحيحة وصرح في الفتح أنه صححه ابن خزيمة وغيره وهو في رواية أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم‏)‏ بدون ذكر تعدى‏.‏ وفي النسائي بدون نقص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه مقال عند المحدثين ولم يتعرض له من تكلم على هذا الحديث‏.‏

وفي الحديث دليل على أن مجاوزة الثلاث الغسلات من الاعتداء في الطهور‏.‏ وقد أخرج أبو داود وابن ماجه من حديث عبد اللَّه بن مغفل أنه قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء وأن فاعله مسيء وظالم‏)‏ أي أساء بترك الأولى وتعدى حد السنة‏.‏ وظلم أي وضع الشيء في غير موضعه‏.‏ وقد أشكل ما في رواية أبي داود من زيادة لفظ أو نقص على جماعة‏.‏

قال الحافظ في التلخيص‏:‏ ‏[‏تنبيه‏]‏ يجوز أن تكون الإساءة والظلم وغيرهما مما ذكر مجموعًا لمن نقص ولمن زاد ويجوز أن يكون على التوزيع فالإساءة في النقص والظلم في الزيادة وهذا أشبه بالقواعد والأول أشبه بظاهر السياق واللَّه أعلم انتهى‏.‏

ويمكن توجيه الظلم في النقصان بأنه ظلم نفسه بما فوتها من الثواب الذي يحصل بالتثليث‏.‏ وكذلك الإساءة لأن تارك السنة مسيء‏.‏ وأما الاعتداء في النقصان فمشكل فلا بد من توجيهه إلى الزيادة ولهذا لم يجتمع ذكر الاعتداء والنقصان في شيء من روايات الحديث‏.‏

ولا خلاف في كراهة الزيادة على الثلاث‏.‏ قال ابن المبارك‏:‏ لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم‏.‏ وقال أحمد وإسحاق‏:‏ لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى‏.‏